الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فمما لا شك فيه أن الإنسان في سيره في هذه الحياة الدنيا يتعرض لأمور يتحير فيها، ويتردد في فعلها أو تركها؛ وفي مثل هذه الحالة فإنه قد شرع للإنسان أن يلجأ إلى خالقه بالصلاة والدعاء، والتبري من الحول والقوة، وسؤال الله أن يختار له ما فيه خيري الدنيا والآخرة سواء في الإقدام على الفعل أو الترك؛ وذلك ما في صلاة الاستخارة؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين، وثبت في أمره"(1). وقد أجمع العلماء على أن الاستخارة سنة.


وإليك دعاء الاستخارة كاملا كما جاء في حديث جَابِرٍ بن عبد لله -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُن َا الاسْتِخَا رَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُن َا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ: «إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَ عْ رَكْعَتَيْ نِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَ ةِ ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِير ُكَ بِعِلْمِكَ , وَأَسْتَقْ دِرُكَ بِقُدْرَتِ كَ, وَأَسْأَلُ كَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ, وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ, وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ , اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَة ِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاقْدُرْه ُ لِي وَيَسِّرْه ُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ, اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَة ِ أَمْرِي أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ, فَاصْرِفْه ُ عَنِّي وَاصْرِفْن ِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ». وَفِي رواية: «ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ»(2).


وإذا وصل إلى عند قوله: (اللَّهُمّ َ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ) -هنا يسمي الشيء الذي يستخير فيه- مثال: (اللَّهُمّ َ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ (سفري إلى مكة) خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَة ِ أَمْرِي) أَوْ (عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْه ُ لِي وَيَسِّرْه ُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ). (وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ (سفري إلى مكة) شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَة ِ أَمْرِي... ) إلى آخر الدعاء.

فإذا ترجح عندك -أيها المستخير- فعل الشيء المستخار فيه فعليك بفعله مع سؤال الله التوفيق والتسديد والإعانة، وإذا لم يترجح فلا بأس عليك من أن تكرر الاستخارة، وعليك أن لا تزيد على هذا الدعاء شيئًا، ولا تنقص منه شيئًا، وقف عند حدود النص.
كما أنه يجب عليك أن تعلم أن صلاة الاستخارة تكون: "في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها، وأن يكون مترددًا حائرًا بينها، أما ما هو معروف خيره كالعبادات وصنائع المعروف وكذلك ما هو معروف شره كالمعاصي وزوال منكرات فلا استخارة فيها؛ فإنه لا استخارة في فعل ما هو مشروع وترك ما هو ممنوع، وينبغي أن يكون المستخير خالي الذهن غير عازم على أمر معين فيظهر له ببركة الصلاة والدعاء ما هو الخير ولا مانع من تكرارها أكثر من مرة"(3).


كما أنه ينبغي عليك أن لا تكتفي بالاستخارة ، بل عليك أن تضيف إلى ذلك استشارة أهل التجربة، وأهل الصلاح والتقوى، فتكون قد جمعت بين الاستخارة والاستشارة .
والله الموفق.


__________ __________ ____
(1) الكلم الطيب، [57].
(2) رَواه البخاري.
(3) ذكر وتذكير لصالح السدلان، [28].


المصدر: موقع إمام المسجد